ولذلك لا يجوز أن ينطوي قلب المؤمن على شيء من الكبر، أو احتقار أخيه المؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )، فهذا يصحح هذا الأصل: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، فلا يصح للمسلم أن يحتقر أخاه المسلم لأي سبب كان: من نسب، أو مال، أو وظيفة، أو شهادة، أو عرق، أو جنسية أو غيرها.
وقوله: ( بحسب امرئ من الشر ) أي: يكفيه شراً، وكأنه قال: لا شر أعظم من هذا، ولا شر فوقه، فإن كان الإنسان يريد أن يبلغ الغاية في الشر فليحقر أخاه المسلم، وقال: (أخاه) ليكون ذلك نكاية له، فالمسلم أخو المسلم؛ فكيف يصح للإنسان أن يحقر أخاه، فكفاه ذلك شراً، وكفاه مقتاً.
ولما قال أبو ذر رضي الله تعالى عنه لـبلال : يا ابن السوداء! في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنك امرؤ فيك جاهلية )، وفي رواية أخرى: ( انظر حتى لا ترى لك فضلاً على أسود، ولا أحمر إلا بالتقوى ) .
وجاء في بعض الروايات: أن أبا ذر رضي الله تعالى عنه نام على الأرض، وأمر ذلك الرجل بأن يطأ بقدمه على صفحة خده؛ تواضعاً لله عز وجل، وتكفيراً عن قوله وتعييره له بأمه: يا ابن السوداء! فقد أحس بمرارة الندم، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا فإن الفضل كما ذكر الله عز وجل لا يكون إلا بالتقوى، وقد قال العلماء في قول الله عز وجل في ذكر أوصاف القيامة: (( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ))[الواقعة:3] أي: أنها ترفع بعض من كانوا وضعاء في الدنيا، وتخفض من كان رفيعاً فيها، ويشمل ذلك بعض التغيرات الكونية، وكذلك التغيرات في عالم البشر، فرب رفيع عزيز كريم عند قومه في الدنيا؛ يكون وضيعاً يوم القيامة، والعكس.